سورة العنكبوت - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (28) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)}
قوله تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} قال الكسائي: المعنى وأنجينا لوطا أو أرسلنا لوطا. قال: وهذا الوجه أحب إلى. ويجوز أن يكون المعنى واذكر لوطا إذ قال لقومه موبخا أو محذرا أ {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ} {أَإِنَّكُمْ} تقدم القراءة في هذا وبيانها في سورة الأعراف. وتقدم قصة لوط وقومه في الأعراف وهود أيضا. {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} قيل: كانوا قطاع الطريق، قاله ابن زيد.
وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة، حكاه ابن شجرة.
وقيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال. قاله وهب بن منبه. أي استغنوا بالرجال عن النساء قلت: ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة، ويستغنون عن النساء بذلك. {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} النادي المجلس واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه، فقالت فرقة: كانوا يخذفون النساء بالحصى، ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم. وروته أم هانئ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت أم هانئ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قال: «كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه» أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، وذكره النحاس والثعلبي والمهدوي والماوردي. وذكر الثعلبي قال معاوية قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل قصعة فيها الحصى للخذف فإذا مر بهم عابر قذفوه فأيهم أصابه كان أولى به» يعني يذهب به للفاحشة فذلك قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}. وقالت عائشة وابن عباس والقاسم بن أبي بزة والقاسم ابن محمد: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم.
وقال منصور عن مجاهد كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا. وعن مجاهد: كان من أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم. قال ابن عطية: وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالتناهي واجب. قال مكحول: في هذه الامة عشرة من أخلاق قوم لوط: مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء، وحل الإزار، وتنقيض الأصابع، والعمامة التي تلف حول الرأس، والتشابك، ورمي الجلاهق، والصفير، والخذف، واللوطية. وعن ابن عباس قال: إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة، منها أنهم يتظالمون فيما بينهم، ويشتم بعضهم بعضا ويتضارطون في مجالسهم، ويخذفون ويلعبون بالنرد والشطرنج، ويلبسون المصبغات، ويتناقرون بالديكة، ويتناطحون بالكباش، ويطرفون أصابعهم بالحناء، وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال، ويضربون المكوس على كل عابر، ومع هذا كله كانوا يشركون بالله، وهم أول من ظهر على أيديهم اللوطية والسحاق، فلما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج، فقالوا: {ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ} أي إن ذلك لا يكون ولا يقدر عليه. وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه. وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا ثم استنصر لوط عليه السلام ربه فبعث عليهم ملائكة لعذابهم، فجاءوا إبراهيم أولا مبشرين بنصرة لوط على قومه حسبما تقدم بيانه في {هود} وغيرها. وقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة والكسائي {لننجينه وأهله} بالتخفيف. وشدد الباقون. وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {إنا منجوك وأهلك} بالتخفيف وشدد الباقون. وهما لغتان: أنجى ونجى بمعنى. وقد تقدم. وقرأ ابن عامر: {إنا منزلون} بالتشديد وهي قراءة ابن عباس. الباقون بالتخفيف. وقوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} قال قتادة: هي الحجارة التي أبقيت وقاله أبو العالية.
وقيل: إنه يرجم بها قوم من هذه الامة.
وقال ابن عباس: هي آثار منازلهم الخربة.
وقال مجاهد: هو الماء الأسود على وجه الأرض. وكل ذلك باق فلا تعارض.


{وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37)}
قوله تعالى: {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً} أي وأرسلنا إلى مدين. وقد يقدم ذكرهم وفسادهم في الأعراف و{هود}. {وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} وقال يونس النحوي: أي اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال. {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي لا تكفروا فإنه أصل كل فساد. والعثو والعثى أشد الفساد. عثى يعثى وعثا يعثو بمعنى واحد. وقد تقدم.
وقيل: {وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} أي صدقوا به فإن القوم كانوا ينكرونه.


{وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)}
قوله تعالى: {وَعاداً وَثَمُودَ} قال الكسائي: قال بعضهم هو راجع إلى أول السورة، أي وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وفتنا عادا وثمود. قال: وأحب إلي أن يكون معطوفا على: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} وأخذت عادا وثمودا. وزعم الزجاج: أن التقدير وأهلكنا عادا وثمودا.
وقيل: المعنى وأذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم، وثمودا أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم بالصيحة كما أهلكنا عادا بالريح العقيم. {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ} يا معشر الكفار {مِنْ مَساكِنِهِمْ} بالحجر والأحقاف آيات في إهلاكهم فحذف فاعل التبين. {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ} أي أعمالهم الخسيسة فحسبوها رفيعة. {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي عن طريق الحق. {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} فيه قولان: أحدهما وكانوا مستبصرين في الضلالة، قاله مجاهد. والثاني: كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين. وهذا القول أشبه، لأنه إنما يقال فلان مستبصر إذا عرف الشيء على الحقيقة. قال الفراء: كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم.
وقيل: أتوا ما أتوا وقد تبين لهم أن عاقبتهم العذاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8